أبو ذاكر الصفايحي يدعو الى تدبّر هذا المثل: في قوله تعالى (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل…)

كتب: أبو ذاكر الصفايحي
يقول الله تعالى عز وجل في كتابه المكنون منذ قرون (لو انزلنا هذا القران على جبل لرايته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الامثال نضريها للناس لعلهم يتفكرون) هذه آية قرآنية كثيرا ما يقراها وكثيرا ما يذكرها الذاكرون وخاصة في شهر رمضان اذا تحدثوا عن مكانة القران وعن عظمته وعن اثره القوي والأقوى من كل الكتب الأخرى التي سمعها بها والتي قراها البشر ولكن القليلين منهم من يتدبرون ومن يتفكرون في هذا المثل كما امرهم الله بذلك عز وجل في آخر هذا الآية ولكن الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله تفكر فيه وتدبره حق التدبروحق التفكير وسجل ذلك في تفسيره القيم المفيد المعروف باسم التحرير والتنوير فقال(…وهذا مثل ساقه الله تعالى كما دل عليه قوله (وتلك الامثال)الخ… وقد ضرب هذا المثل لقسوة الذين نسوا الله وانتفاء تأثرهم بقوارع القران…
فالجبل مثال لأشد الأشياء صلابة وقلة تاثر بما يقرعه…والمعنى لو كان المخاطب بالقران جبلا وكان الجبل يفهم الخطاب لتأثر بخطاب القران تأثرا ناشئا من خشية الله خشية تؤثرها فيه معاني القران…ولو كان الجبل في موضع هؤلاء الذين نسوا الله واعرضوا عن فهم القران ولم يتعظوا بمواعظه لاتعظ الجبل وتصدع صخره وترابه من شدة تأثره بخشية الله وضرب التصدع مثلا لشدة الانفعال والتأثر لان منتهى تأثر الأجسام الصلبة ان تنشق وتتصدع اذ لا يحصل لها ذلك بسهولة والخشوع هو التطاطؤ والركوع اي لرايته ينزل أعلاه الى الأرض والتصدع التشقق اي لتزلزل وتشقق من خوفه الله تعالى…ان الأمثال التي يضربها الله للناس في كلامه مثل هذا المثل اراد منها ان يتفكروا فان لم يتفكروها فقد سجل عليهم عنادهم ومكابرتهم فالإشارة بتلك الى مجموع ما مر على أسماعهم من الأمثال الكثيرة وتقدير الكلام ضربنا هذا مثلا وتلك الأمثال نضربها للناس وضرب المثل سوقه اطلق عليه الضرب بمعنى الوضع كما يقال ضرب بيتا وقد تقدم بيان ذلك عند قوله تعالى(ان الله لا يستحي ان يضرب مثلا ما …) في سورة البقرة (الجزء الثامن والعشرون المجلد الحادي عشر الصفحتان 116/117)…
اما أبو ذاكر صاحب هذا المقال فينهيه بقول الله تعالى (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة او اشد قسوة وان من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وان منها لما يشقق فيخرج منه الماء وان منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون) وهل ترجو الإنسانية خيرا في الذين قست قلوبهم فأصبحت كالحجارة او اشد صلابة واشد قسوة وهم في غفلة عجيبة عن اطلاع الله على حالهم وحتمية مجازاتهم على قسوتهم وعلى بشاعة وشناعة أفعالهم وهو الذي قال فيهم في كتابه المنير المتين (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله اولائك في ضلال مبين)…