أحمد القديدي يكتب لكم: الهجرة السرية تثير نظرية صدام الحضارات!

كتب: د.أحمد القديدي
ما يجري هذه الأيام من أحداث بين أسبانيا والمملكة المغربية على حدود مدينتي سبتة ومليلة يؤشر إلى عمق أزمة الهجرات السرية بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط وهي شبيهة بالصدامات على نفس الوتيرة ولنفس الأسباب بين تونس وإيطاليا وبين ليبيا و إيطاليا كما بين اليونان و تركيا….
القضية أبعد من مجرد محاولات شباب عربي و آسيوي وإفريقي يائس من العيش في بلدانه الأصلية يريد الالتحاق بالجنة الأوروبية الموعودة لأنها تخفي في ثناياها إحياء أشباح العلاقات المأزومة بين الشمال و الجنوب في مرحلة الإستعمار ثم مع المطبات الإقتصادية و الإجتماعية الراهنة التي أضافت لها محنة الكورونا طعم المأساة. والذي نسجله بكل أسف أن الهجرات السرية أو (غير الشرعية) جاءت نتيجة سياسات تنموية وخيارات تربوية واجتماعية مغلوطة أو منقوصة من جانب دول الجنوب ونتيجة إهمال مستمر للجيلين الثاني و الثالث من المهاجرين الى أوروبا الذين اندمجوا في الحضارة الغربية وحصل أغلبهم على جنسية الدولة التي هاجر اليها أبوه أو جده منذ عقود حيث تدور الحياة السياسية اليوم لدى هذه المجتمعات على خلفية عنصرية لا تكاد تخفى في مجتمعات غربية تقليدية تصاعد فيها اليمين المتطرف الى مفاصل السلطة وأصبح يجاهر بعدائه للمقيمين الأجانب على أرضه…
وشهد العالم من خلال الممارسات اللا انسانية القاسية التي جوبه بها الشباب المغربي الذي عبر البحر الى مدينة سبتة إلا أن وجود مستعمرتين أسبانيتين في عقر دار المغرب هو ملف منسي في حد ذاته فمدينتا سبتة ومليلية هما مغربيتان تاريخا وجغرافيا و لغة و دينا و تقاليد وهما يشكلان آخر استعمار أوروبي على أرض عربية مسلمة!
ولا يعتقدن أحد أن الإتحاد الأوروبي وحدة صماء متماسكة بل إن ملف الهجرة السرية المتواصلة قسمت مواقف الدول الأوروبية فتباينت قرارات الدول إزاء الهجرات المتعاقبة من موقف ميركل الألمانية المتفهم للظاهرة و المتعامل مع موجات القادمين بإنسانية إلى غطرسة السياسة الأسبانية التي أدانها حتى البرلمان الأوروبي هذا الأسبوع بسبب إقدام شرطة الحدود الأسبانية على إلقاء الشباب المغربي في البحر أو تصفيدهم بالسلاسل حتى موعد ترحيلهم مرورا بمواقف فرنسية متذبذبة تتأرجح بين إرضاء الناخب اليميني العنصري والخشية من إدانة المنظمات الإنسانية و الخيرية… ولو عرفنا أن الاتجاهات اليمينية المتعصبة في كل من النمسا و هولندا فازت بالأغلبية في كلا البلدين فإن استشعار التصادم الحضاري قادم بين جنوب البحر و شماله في مستقبل منظور. و هنا لا بد أن نتوقف عند نظرية “الصدام الحضاري” التي أصبح غلاة اليمين القومي المتطرف في فرنسا يرفعونها شعارا لحملاتهم الإنتخابية القادمة فمثلا نجد أحد أيقونات هذا اليمين الفرنسي الكاتب (إيريك زامور) يكرر شعار (صدام الحضارات) بين ما يسميه هو بالحضارة اليهودية المسيحية و بين حضارة الإسلام و يقول بأن المفكر الأمريكي (من أصل يهودي) صامويل هنتنجتون كان على حق حين أثار موجة فكرية في العالم بنظريته الشهيرة (صدام الحضارات) و يقول (زامور) بأن فرنسا و أوروبا بصدد مواجهة حرب حضارات حين نلاحظ تطرف بعض الجهاديين الإسلاميين و جرائمهم الإرهابية في فرنسا وأخرها قتل الشرطية في مدينة (رامبوييه). و بالطبع نسجل باعتزاز مواقف مضادة لهذه الأطروحات العنصرية لدى أكبر فلاسفة فرنسا وهو (ميشال همفري) صاحب الخمسين كتابا في فلسفة الحضارات أو لدى أكبر السياسيين أمثال (جون لوك ميلنشون) زعيم حزب (فرنسا المتمردة) و المولود في المغرب أو (دومينيك دوفيلبان) رئيس الحكومة الأسبق في عهد الرئيس شيراك والذي عاد بقوة للحوارات المتلفزة ليطرح نظرية (تحالف الحضارات) في حديثه الأخير على القناة الفرنسية الثانية كبديل عن رفض المهاجرين و قمعهم و ندد في نفس المناسبة الإعلامية بما سماه اضطهاد إسرائيل للشعب الفلسطيني في العدوان الأخير على غزة و القدس و أدان مشاركة النخب الأوروبية في هذه المظلمة التاريخية بتأييد الغاصب المحتل كما قال.
إننا كعالم عربي إسلامي جنوبي يجب أن ننخرط في مشروع (تحالف الحضارات) هذا المفهوم الجديد للسلام و الأمن الدوليين و لا ننسى أن دولة قطر كانت أول من رفع هذا الشعار ونظمت حوله مؤتمرا عالميا سمي أنذاك (مؤتمر تحالف الحضارات) في أواخر التسعينات وكان لي شرف المشاركة فيه الى جانب عديد المفكرين و رجال السياسة في العالم.