
كتب: الأمين الشابي
بقطع النّظر عن التحليلات والتعاليق ووجهات النظر المختلفة التي بدأت و سوف لن تنتهي حول تركيبة الحكومة الجديدة بين مؤيد و رافض و ناقد و منتقد و متفائل و متشائم و متشائل و متحمّس و مستنكر، فإنّ الحكومة قد ولدت بعد و بعض حقائبها الهامة أسندت للمرأة التونسية التي أثبتت جدارتها في أي موقع من مواقع القرار…
ولكن يبدو أن تركيبة الحكومة لم ترق لبعض الناعقين والرافضين لأي نوع من الحكومة، سواء كانت حكومة ” تكنوقراط ” أو حكومة انقاذ أو حكومة مصغرة أو كثيرة العدد ما لم ترتكز على المحاصصة الحزبية و البيع و الشراء في سوق المصالح و الغنائم و المراكز و الجاه و الحظوة و اعطيني الوزارة ” الفلانية ” نعطيك الوزارة ” الفلتانية ” دون اعتبار لأيّ مقياس سواء كان الاختصاص أو المهنية أو النجاعة أو التجربة أو ما يخدم الصالح العام كما كان سابقا و قبل عقد من الزمن…
الحكم غنيمة!
كلّ ذلك لا يهمّ، بل الأهم، هند هؤلاء الناعقين هو ما سيغنمون و ما يحقق مصالحهم الشخصية لذلك سيظل هؤلاء يرمون هذه الحكومة الجديدة، ليلا ونهارا، للنيل منها و من أيّ حكومة كانت ما لم تكن لهم فيها نصيب و غنائم و مصالح.
لكلّ هؤلاء ” الساسة ” الذين لا يعجبهم العجب حول أي تركيبة حكومية نقول و بكلّ جرأة أ لا تستحون وقد كشفكم الشعب على حقيقتكم و طردكم شرّ طردة بعد أن خرج عن بكرة أبيه مؤيدا لإجراءات 25 جويلية التي ارتآها رئيس الجمهورية؟
أم بكاءكم على الأطلال يعكس حزنكم لفقدانكم النعيم و الجنّة التي كنتم تنعمون بخيراتها وهوائها وبحرها ومالها وغلالها وسياراتها و قصورها وضيعاتها و نزلها و يخوتها و سمكها و لحم ضأنها و شواء غزالها؟
أم خروجكم من تلك الجنّة، بعد عقد من الزمن، و فقدانكم لكلّ تلك المكاسب ما كنتم تتوقعونه؟
وعليه، استلّ كل منكم شفرته و سكينه و سيفه و سلاحه و صاح في النّاس محذّرا ونذيرا لعلّه يسقط في فخكم مجددا البعض من هؤلاء النّاس الذين ذاقوا الفقر لمدّة عشر سنين، و ذاقوا كلّ أنواع الخصاصة لمدّة عشر سنين، و ذاقوا كلّ ألوان الأحزان لمدّة عشر سنين و فلذات أكبادهم يركبون البحر و تلتهمهم أنياب البحر فتكون سفرة بلا عودة، و ذاقوا ألوان نيران الأسعار المتأججة و لا يقدرون على اطفائها بحكم اللوبيات التي لا ترحم ضعفهم و لا تستمع لأنينهم إلى درجة أصبح التونسي يقتات من المزابل و الحاويات.
وفي المقابل ترفلون، نساء و رجالا في الحرير، و غذاؤكم لا تغيب عنه ” الورقة ” و ” القاروص ” و غلال البحر و الأسماك الذي يجهل المواطن العادي حتى أسماءها.
وتملكون أنتم السيارات الفارهة والقصور الفاخرة و النزل و المشاريع و المصانع بل وصل بكم الشجع إلى امتلاك الياخوت في حين يئن الفقير جوعا حتّى يموت إن لم يقتات من الفضلات…
ديمقراطية ماذا؟
والآن، و بعد طردكم من الجنّة، أصبحتم تدافعون عن الديمقراطية فأين غابت تلك الديمقراطية و قد كانت دفة الحكم لمدة عقد من الزمن بين أيديكم؟. و الآن أصبحتم تدافعون عن الدستور و قد دستموه جملة و تفصيلا منذ ولادته العسيرة وما كلّفه على الشعب التونسي من المليارات بل لقد عبثتم بهذا الدستور أيّة عبث؟ و الآن تذرفون دموع التماسيح على هذا الدستور الذي لم يعرف فترة ترذيل كالتي عرفها في فترة حكمكم؟ الآن تتباكون عن الشرعية و رجوع البرلمان إلى سالف نشاطه و قد جعلتم من هذا البرلمان زمن حكمكم اسطبل لمصارعة الثيران و جعلتم منه ركحا لأسوء المسرحيات المضحكات / المبكيات؟
العبوا غيرها
ولكن و المهم أن تتأكدوا و أنّ الرجوع إلى كل تلك المهازل السياسية التي جعلت من تونس الحضارة و تونس المواقف و تونس التاريخ و تونس الفن و تونس الثقافة، جعلت منها مهزلة داخليا و خارجيا بل أصبحت البلاد أضحوكة في فترة حكمكم من القريب قبل البعيد؟ فهل تريدون العودة بالشعب التونسي إلى مثل تلك المهازل و إلى مثل تلك العكاظيات و إلى مثل تلك الخزعبلات و الرقصات الشيطانية و الألعاب البهلوانية و ” ضرب الخنيفري ” و إلى مثل ذلك الاسطبل للفرعون الأكبر و إلى مثل تلك الأفلام المرعبة و بالتالي تعودون بالشعب التونسي إلى التأزم النفسي و الانطواء و عدم الثقة في المستقبل و فقدان كل أمل في غد أفضل؟
لا نعتقد و أنّ كلّ ذلك متاح اليوم و غدا، خاصة بعد أن تمت بنجاح مرحلة تعيين الحكومة البعيدة كلّ البعد عن المحاصصة الحزبية و غيرها من ” التكنبيس ” و ” الضرب تحت الحزام ” بل بعد عودة بصيص من الأمل للشعب التونسي الذي تنفس الصعداء ذات يوم 25 جويلية 2021 و بالتالي نرى و أنّ أغلبية الشعب التونسي لم يعد تنطلي عليه حيل البكاء على الأطلال و ” خرافة ” الشرعية و ” نمنامة ” الديمقراطية بل نراه يغني و بصوت واحد و يردّد بأعلى صوته فات الميعاد و يرفع شعار العبوا غيرها و ” رانا فايقين بكم “