نوفل سلامة يكتب/ النائب سفيان المخلوفي: لا يمكن للفن والإبداع أن يعيد اجترار الواقع

كتب: نوفل سلامة  

خلال مداخلته في مجلس نواب الشعب صبيحة يوم الخميس 3 جوان الجاري في جلسة الاستماع المخصصة للحوار مع نقابة الفنانين التونسيين وتعاونية الفنانين والمبدعين والمثقفين والتقنيين في المجال الثقافي تحدث النائب سفيان المخلوفي عن حزب التيار الديمقراطي عن الاحراجات والاكراهات التي تتعب أهل الفن وتقلق كل العاملين في قطاع الثقافة وهي هواجس تلامس الجوانب المادية والظروف الاجتماعية لعيش الفنان والمثقف…

كما قدم مقترحات عملية لمرافقة العاملين في هذا القطاع الذي تضرر أصحابه كثيرا في السنوات الأخيرة جراء انتشار جائحة كورونا وما خلفته من أضرار على المستوى النفسي والاجتماعي والمادي بعد أن تعطلت الأنشطة الثقافية وتوقف العمل الإبداعي ومما جاء في مداخلة السيد النائب قوله :  ” إن الجائحة  الوبائية قد أظهرت أن قطاع الفن كغيره من القطاعات المشابهة لا يتوفر على منظومة اجتماعية توفر للعاملين به ظروفا تسمح بالعيش بشكل محترم ، فالفنان كأي فرد في المجتمع إذا لم يكن لديه الحد الأدنى من العيش الكريم ومن الاستقرار الاجتماعي وتقع إهانته ماديا واجتماعيا فإنه يصبح مطموس الشخصية ولا يمكن أن يكون أداؤه الفني جيدا.  لذا فإني أعتبر أن إرساء منظومة تأمين على المرض وعلى الشيخوخة هي حق لكل التونسيين أو لكل إنسان يحمل الجنسية التونسية طالما يؤدي واجبه الضريبي للدولة بما في ذلك الفنانين وهنا يتعين البحث والتفكير في موارد مستقرة لتغطية الفنانين وفي هذا الخصوص فإني أقترح إنشاء صندوق للتأمين على عمل الفنانين بصفتهم من القطاعات الموسمية التي يمكن أن تتضرر في كل وقت يساهم فيه الفنانون وتساهم فيه الدولة يمنح الحد الأدنى للفنانين لما يفقدون عملهم لسبب من الأسباب.” 

مجتمع الفرجة

و يضيف القول ” هناك قضية أخرى غير المسائل المادية تتعلق بوجهة نظره في الوضع الفكري والثقافي وهو أنه في السنوات الأخيرة أصبح الجانب الفكري والثقافي والإبداعي كما كل الجوانب الأخرى سفينة ليس لها بوصلة وهذا ما جعل القطاع الفكري والفني والثقافي يتدنى ويصبح جزءا من مجتمع الفرجة وليس جزءا يعبر على روح وهوية المجتمع .. إننا نحتاج إلى تصور وفلسفة كاملة تقود عملية الفن والثقافة والإبداع بالنسبة لي فإن الفن والفكر والثقافة لا يقدر عليه أي كان ، إن الفن عندي هو إنتاج فوقي أو لا يكون و إن عملية نقل الممجوج من الواقع إلى عتبة المسرح أو السينما والغناء تحت عنوان أو باسم التعبير عن الواقع أو فن الواقع هو أمر غير مقبول لأن هذا النوع من الفن بإمكاننا أن نسمعه يوميا في الشارع وفي المقاهي لذلك كان الفن عندي هو سبر لتناقضات روح الفرد وروح المجتمع ونقله للجمهور من أجل أن نرتقي به أما إذا قام الفنان بإعادة اجترار الواقع عندها يكون الفن قد جانب دوره وتخلى الفنان عن مهمته .. عندما استمع إلى موسيقى على قناة تلفزية وهو يجتر ويقول كلمة ” موزيكا ” استعيذ من ذلك لأن كلمة موسيقى هي كلمة إغريقية أصيلة قام بنقلها الفرس والعرب إلى الفضاء الغربي وأنا لا أفهم كيف يمكن لفنان تونسي عندما يتحدث عن الفن لا يقول كلمة موسيقى وهو الذي لديه كتاب الأغاني لأبي فرج الأصبهاني والمبدع زرياب رائد الغناء العربي وغيره فعندما تكون لغة الفنان ممجوجة ومنحطة عندها ينتابني خوف على الفن والفكر والثقافة في تونس.  
ما هو مفيد في حديث النائب سفيان المخلوفي هو كونه قدم مقاربة متكاملة لأصحاب الفن والثقافة لتحسين وتطوير وضعهم الاجتماعي من خلال ضمان القدر الأدنى من العيش الكريم خاصة في الأوقات العصيبة الحرجة في علاقة بإنتاج الوعي والارتقاء بالذائقة الفنية فحتى يستطيع الفنان والمثقف أن يقوم بدوه صانعا للمعنى ومقدما لرؤية جمالية تسعى لتغيير الواقع لا نقله مضخما استمالة للجمهور والتأثير عليه.

إكراهات واحراجات

ما هو مفيد أن المخلوفي على الرغم من الاكراهات التي قادت انعقاد هذه الجلسة وهي الحديث في الجوانب المادية حيث جاء أصحاب المهنة إلى برلمان الشعب للتحسيس بوضعهم الإجتماعي و بالصعوبات المالية التي يعاني منها المثقف إلا أنه لم يغفل عن الحديث في الجانب المضموني من العمل الفني و الابداعي وهو أن للمثقف رسالة يحملها في المجتمع وأن الفن يمارس من أجل تغيير الواقع وتقديم الحلول لإمراض الإنسان بأدوات المبدع و المثقف فهو لا يكتفي بنقله كما هو تحت مصوغ  فن الواقع ، فالفن لا يمارس للفن وإنما الفن بكل أشكاله يمارس من أجل التغير والارتقاء بالفهم والمعرفة  وهو في نظرته هذه يلتقي مع المفكر الفرنسي ” ألان باديو ” في نظرته للفن باعتباره حاملا للقيم المثلى وحاملا لمشروع مجتمعي ويبحث عن الحقيقة ليس كما يصورها الواقع أو كما تفرضها السلطة وإنما هو يصور بفنه الحقيقة المتخيلة الحالمة غير الموجودة في الواقع ومن هذه الزاوية فإن الفنان حينما ينتج عملا ابداعيا فهو يفتح طريقا للوصول إلى الحقيقة كما يراها هو وكما ينتظرها الفرد وكما يريدها المواطن فالفن يعبر عن حقيقة الانسان كما يراها هو وهذه النظرة الحالمة هي مختلفة عن نظرة فن الاستهلاك وثقافة ما يعجب الناس ننتجه و فن ينقل الواقع الممجوج من دون رؤية تحرره من قيود الاكراهات والاحراجات .

مناخ اجتماعي مريح 

وهذا النوع من الفن في رؤية النائب سفيان المخلوفي يحتاج أن نوفر له المناخ الاجتماعي المريح والوضع المادي الملائم حتى ننتج مشهدا ثقافيا يتم التخلص فيه من الرداءة والتخلص من فن اللابديل كما عبر عنه المفكر الإيرلندي ” زيجمونت باومان ” في كتابه الشر السائل العيش مع اللا بديل الذي يعمل أصحابه على نقل الواقع كما هو بكل تفاصيله  وجزئياته ومن خلال هذا العمل فإنهم يطوعون الناس مع هذا الواقع و يساعدونهم على القبول به والتعايش معه وكأنه قدر من أقدارهم لا يمكن تغييره أو الخروج عليه ففن اللا بديل الذي يجعل الفنان والمثقف يجري وراء الإثارة وتحويل الفن إلى سلعة وتجارة ويسقط في الابتذال  والتفاهة والحقارة من أجل لقمة العيش يحتاج للتخلص منه أن نريح الفنان من هاجس الحاجة والخوف من عدم تأمين حياته في الأوقات الصعبة والظروف القاهرة.