نوفل سلامة يكتب: ماذا أضاف تقرير التفقدية العامة بوزارة العدل لملف الشهيدين بلعيد والبراهمي؟

كتب: نوفل سلامة 

تعودت هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري شكري بلعيد ومحمد البراهمي أن تخرج من حين إلى آخر إلى الإعلام وتعقد ندوة صحفية تعرض فيها ما توصلت إليه من معطيات تقول أنها جديدة من شأنها أن تضيء مناطق أخرى لم يكشف عنها البحث ولم يتوصل إليها القضاء لمعرفة من خطط ومن أعطي الأوامر ومن قدم الدعم لقتلة الشهيدين…

وتكشف عن أدلة جديدة من شأنها أن تحمّل حركة النهضة المسؤولية السياسية على الأقل فيما حصل من اغتيال سياسي، وفي كل المرات التي يحصل فيها هذا الخروج الإعلامي ينتظر الرأي العام أن يسمع حقائق جديدة في الملف قد تدفع نحو إعادة المحاكمة أو الكشف عن مورطين جدد، غير أن الذي يحصل في كل ظهور إعلامي هو أنه بعد كل ندوة صحفية للهيئة نسمع كلاما كثيرا ونتلقى معطيات كثيرة، ولكن لا نلمس أي تأثير جدي لكل ذلك على مجريات القضية وحتى الخروج الأخير للهيئة في ندوتها الصحفية الأخيرة الذي حصل بمناسبة استكمال تقرير التفقدية العامة بوزارة العدل بشأن وكيل الجمهورية السابق بالمحكمة الابتدائية بتونس البشير العكرمي لم يشذ عن سابقيه حيث عرضت هيئة الدفاع عن الشهيدين قراءتها لتقرير التفقدية العامة وعرضت معطيات وردت به اعتبرتها اخلالات جسيمة وفضيحة وخروقات قالت عنها بأنها ترتقي إلى جرائم خطيرة حيث ذكرت أن البشير العكرمي لما كان وكيلا للجمهورية  وتولى الإشراف على القطب القضائي لمكافحة الارهاب والقطب القضائي المالي قد ارتكب العديد من الاخلالات منها أن التقرير قد رصد لديه 6268 محضرا جزائيا في قضايا إرهابية غير منجز و1361 محضرا متخليا عنها للصبغة الارهابية غير مضمنة بالدفتر والمحاضر المذكورة منها 20 محضرا تتعلق بالتسفير إلى بؤر التوتر ومحاضر أخرى أرجعت إلى الوحدات الأمنية لعدم وجود تعليمات من قبل وكالة الجمهورية، ومنها قضايا محالة من المحكمة العسكرية بموجب التخلي للصبغة الإرهابية لم يتم تضمينها ولم يقع اتخاذ أي قرار بشأنها ومنها قضايا أخرى تتعلق بإختفاء المسدسين المستعملين في اغتيال الشهيدين من دون توجيه الاتهام للشخص الذي تعمد اخفائهما وكذلك ما اعتبرته الهيئة تلاعبا بنتائج الاختبارات المجرات على السيارة « فيات سيانا « وعدم عرض النتائج على المتهمين والقيام بحجزها صوريا.

هذه عينة من الملفات التي كانت موضوع عملية التفقد التي قامت بها التفقدية العامة بوزارة العدل وتناولتها هيئة الدفاع عن الشهيدين في ندوتها الصحفية الأخيرة وهي معطيات قضائية دقيقة في موضوع حساس يتعلق بتقييم أداء قاضي من القضاة الكبار الذين تقلدوا في وقت ما مناصب حساسة في القضاء، وهي معطيات تخضع لعدة قراءات منها ما هو قانوني إجرائي ويدخل في مجال تحرك القاضي لتكييف الملفات ومنها ما هو موجه ويخضع للتوظيف السياسي والقراءة الأيديولوجية..

ولكن بغض النظر على كل ما قيل و في انتظار أن نسمع وجهة نظر البشير العكرمي من كل التهم التي نسبت إليه فإن السؤال المهم هو 

ماهي الإضافات التي يمكن أن يضيفها تقرير التفقدية العامة لملف الشهيدين؟ وهل هناك أدلة جديدة يمكن أن نجدها في التقرير تفيد في قضية الشهيدين؟ وهل من علاقة بين ما كشف عنه تقرير التفقدية العامة في علاقة بعملية تفقد لملفات البشير العكرمي وقضية الشهيدين ؟ وهل نجد معطيات جديدة من شأنها أن تفتح طريقا جديدا في القضية وتورط أطرافا أو جهات جديدة في عملية الاغتيال؟

في الحقيقة إن المهم والمفيد في مثل هذه الندوات هو أن يتم الكشف من خلال المعطيات التي تقدم عن إضاءات جديدة في ملف الاغتيال وأدلة أخرى من شأنها أن توجد روابط بين جهات أو أشخاص لم يشملهم البحث مع ما انتهى إليه حكم القضاء لما أصدر حكمه النهائي بتوجيه التهمة إلى عناصر تابعة لتنظيم أنصار الشريعة المحظور ذكروا بأسمائهم في ارتكاب الاغتيالين؟  

ما يمكن استنتاجه من خلال ما قدم في الندوة الصحفية أن كل المعطيات المقدمة قد استنتجت منها هيئة الدفاع أن حركة النهضة تضع يدها على القضاء وأن القضاء «تابع لها»…وما عدا ذلك فإن الهيئة لم تقل لنا هل من علاقة بين كل المعلومات عن عملية التفقد وجريمة الاغتيال ؟ وهل هناك تأثير مباشر أوغير مباشر بين كل ما قدم عن سير القضية ومجريات الأبحاث والحكم الصادر؟ بمعنى هل ساهمت المعلومات المقدمة في اثبات وجود تعمد لتغيير سير الأبحاث أو توريط أشخاص ليست لهم علاقة بالقتل أو تبرئة جهات أو أشخاص اتضح من خلال التقرير أنهم ضالعين في العملية ؟…

كل هذه الأسئلة لم تجب عنها هيئة الدفاع في ندوتها الصحفية واكتفت بتقديم أرقام عن ملفات ليست لها علاقة مباشرة بملف الشهيدين والخشية اليوم أن يتم تعويم الملف وتوجيهه نحو مسارات أخرى وتحويل وجهته للبحث عن أدلة أخرى في علاقة بالخصومات الايديولوجية وتوظيف القضية في معركة سياسية ذلك أن كل الذي نشاهده اليوم هو ندوات صحفية لهيئة الدفاع لا تقدم جديدا في ملف اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي عدا هوامش من هنا وهناك تلامس قضايا أخرى يبدو أن لا صلة لها مع عملية الاغتيال التي قال فيها القضاء كلمته باعتراف أفراد من تنظيم أنصار الشريعة بارتكابهم القتل العمد.. إن اغتيال يلعيد والبراهمي ملف كبير يجب أن يبقى في مربع البحث عن الحقيقة ولا أن يستعمل في المعارك الأيديولوجية والسياسية…