صالون الصريح

أحمد القديدي يكتب: احتلال فلسطين هو آخر استعمار …بعد الجزائر!  

كتب: د.أحمد القديدي

عنوان مقالي هذا هو ما قاله الزعيم بورقيبة في خطابه الشهير في مخيم أريحا الفلسطيني يوم 5 مارس 1965 ودعا فيه اللاجئين تحت الخيام الى تغيير أساليب مقاومتهم لما سماه بورقيبة ‘آخر استعمار بعد تحرير الجزائر’ وكان الزعيم التونسي متأثرا بأوضاع الفلسطينيين ويعتبرها نتيجة السياسات الناصرية و البعثية التي ترفع عقيرتها بالحماس…

 وتحولت إلى ظاهرة صوتية وجعجعة بلا طحن وهو الزعيم الذي اعتمد التعامل مع الاستعمار الغاشم أخذا في الاعتبار واقع اختلال توازن القوى…

حتى لا نظل غافلين..

المهم لدينا نحن العرب أن لا نظل غافلين مغفلين بينما يشتد بأس اليمين العنصري المتطرف ضد فلسطين كما هو شأن حكومة نتنياهو المتحالفة مع العنصري بن غفير وأخبار فلسطين هذه الأيام تقول: “قتل 15 فلسطينياً في حوادث منفصلة بمن فيهم عدد من منفذي هجمات في “أعمال عنف” كما تسميها وسائل إعلام غربية متضامنة مع الاستعمار الاسرائيلي…وبحسب حصيلة أعدتها وكالة فرانس برس قتل الجيش الإسرائيلي أكثر من 180 شهيدا منذ بداية عام 2023 و تشكيل تلك الحكومة!  
وقال رئيس وزرائها أن إسرائيل دولة لليهود فقط واعتبر (نيد برايس) باسم الخارجية الأمريكية أن “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها”! يعني أننا كما تكهن بورقيبة منذ 55 سنة نصارع استعمارا يعتبر الأخير في العالم! وفي قلب أحداث الثورة التي تعصف هذه الأيام في أرض فلسطين بميلاد حركات مقاومة جديدة لم يتعود عليها الاستعمار غير الشرعي يحضرني أكثر من أي وقت مضى مثال تحرير الجزائر العربية المسلمة من طاغوت استعمار استيطاني أوحش و أخطر من أي استعمار..

مثال حيّ

وكأن أحداث فلسطين اليوم هي ما كنا نتابعه على أمواج إذاعة (صوت الجزائر) من تونس أعوام 1956 وما بعدها.. وكان الزعيم بورقيبة قال في (مارس) 1965 بأن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين هو واقع إستعماري وأنه آخر استعمار في التاريخ الحديث ثم إن الاعتبار بالتاريخ القريب أمر ضروري ونحن نعيش مخاض الحرية في فلسطين..
ومثال الجزائر مثال حي قائم أمامنا، فالجزائر استقلت عام 1962 بعد ثورة شعبية عارمة تفاعل معها جيلي وآمن بها وتعلق بنصرتها وعاشها بتفاصيلها يوما بيوم على الأنغام الرجولية الصامدة لنشيد الثورة الذي كتبه المرحوم الشاعر مفدي زكرياء: “قسما بالصاعقات الماحقات وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر فاشهدوا فاشهدوا فاشهدوا الله أكبر فوق كيد المعتدي… الخ”ما أشبه الجزائر بفلسطين وما أشبه ثورتها الراهنة بأحداث مماثلة عاشتها شوارع القصبة وشارع ديدوش مراد وعنابة ووهران وجبال الأوراس…لكن وجه الاختلاف واضح في التعامل العربي الإسلامي مع الثورة. فالجزائر ابتليت باستعمار استيطاني فرنسي عام 1830 وقام فيها الأمير الشاعر عبد القادر مثلما قام في فلسطين الشيخ المجاهد الشهيد عز الدين القسام لأن الجزائر بعكس تونس والمغرب اللتين كانتا “محميتين” حسب مصطلحات فرضها الاستعمار الدموي عليهما ربما لإيهام الشعبين بأنهما “تحت حماية فرنسا” وكأنهما نصف مستقلتين!

الاستعمار ‘حماية’!

وهي كذبة ما يزال بعض المغفلين من أذناب الإستعمار يسمون الإستعمار (حماية) كما يسمون المقاومين الشرفاء بالسلاح (فلاقة.. يعني قطاع طرق! إلى اليوم) أما الجزائر فقد تحملت وحدها كارثة الاستعمار الاستيطاني حين تحولت عام 1832 الى مقاطعة فرنسية مثل مقاطعات إدارية داخل فرنسا اجتهد الاستعمار في طمس هويتها وتمت (فرنستها) مثلما فعلت سلطات الاحتلال الصهيوني مع فلسطين! و للتاريخ لم يعد بعد هزيمة الأمير عبد القادر عام 1846 هناك كفاح مسلح فاعتقد الاستعمار الفرنسي أن فرنسة الجزائر تمت بنجاح مثلما اعتقد الاستعمار الاسرائيلي أنه “صهين” فلسطين و أتم تهويدها!!…
ولكن روح الجزائر عادت بلظى العروبة والإسلام على أيدي زعماء جمعية العلماء المسلمين أمثال الشيخ عبد الحميد بن باديس والشيخ البشير الإبراهيمي ثم اندلعت شرارة الثورة المسلحة عام 1954 مثلما انطلقت ثورة فلسطين على يد “فتح” ثم استمرت جذوتها على أيدي “حماس” والجهاد لكن لماذا اختلف تعامل الجيران العرب مع ثورة الجزائر ومع ثورة فلسطين وبين الثورتين نشأ جيل عربي مسلم تعلم دروس المقاومة؟ 

التاريخ لا يعيد نفسه

صحيح بأن التاريخ لا يعيد نفسه ولا يكرر أحداثه لكننا لابد أن نقرأ الأحداث لنعتبر… وجدت ثورة الجزائر من جمال عبد الناصر نصيرها الكبير باسم القومية العربية، وقد قال لي وزير الخارجية الفرنسي الأسبق مهندس العدوان الثلاثي على مصر (كريستيان بينو) حرفيا: لقد قمنا بالعدوان الثلاثي لمعاقبة عبد الناصر على تأييده للجزائر.. جاء ذلك العدوان بأيدي (كرستيان بينو) عن فرنسا و (أنتوني ايدن) عن بريطانيا و (بن جوريون) عن إسرائيل كما وجدت الجزائر نصرة بطلة من تونس وعوقبت تونس بوابل من القنابل على قرية ساقية سيدي يوسف يوم 8 فبراير 1958… كما عوقبت تونس لمناصرتها لقضية فلسطين عندما اعتدت الطائرات الإسرائيلية على مقر المنظمة بحمام الشط يوم 1 أكتوبر 1985…

ووجدت ثورة الجزائر كذلك مناصرة المغرب وملكها الراحل المغفور له محمد الخامس وكانت الأسلحة بأنواعها تعبر حدود الجزائر وتصل إلى المجاهدين ولم تتخلف لا تونس ولا المغرب ولا ليبيا عن واجبها المقدس لتزويد الثورة بالسلاح.. وجرى الدم المغاربي هنا وهناك رمزا من رموز الوحدة والصمود وبالطبع لا يمكن أن ينسى أي عاقل تضحيات إخوتنا المشارقة إلى جانب فلسطين فقد خاضت مصر وسوريا والأردن ولبنان حروبا معروفة وهبّ العرب أجمعين ولم يترددوا في نصرة فلسطين انطلاقا من أن قضية القدس قضية المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.. لكن وجه الاختلاف بين مثال الجزائر ومثال فلسطين هو ما حدث من تداعيات استراتيجية إقليمية ودولية حالت دون تواصل النصرة بدعوى إنجاح عملية السلام.. فعاد أبو عمار إلى جزء ضئيل من الأرض المحتلة وتم تأجيل كل الملفات الساخنة إلى أجل غير مسمى وأهمها ملف القدس وملف اللاجئين وإقامة الدولة… وأصبحت كل حدود الدول العربية حدودا آمنة لإسرائيل دون أن تتفاعل إسرائيل بإيجابية مع ما سمي بخيار السلام العربي بعد أن تأكدت إسرائيل من أن خيار المقاومة تم إسقاطه وإجهاضه مما يجعل (السلام) استسلاما!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى