الصريح الثقافي

‘حبيب تونس الزعيم الحبيب بورقيبة، حديث بعده’: عربون حب ووفاء من الإعلامي رشيد البكاي (صور)

تـــــوطئـــة 

يقول الأستاذ صالح الحاجّة في إحدى افتتاحياته بـ ‘الصريح’ خلال شهر نوفمبر 2012  –  و التي تضمنها الكتاب موضوع هذه التغطية الصحفية – و ذلك تحت عنوان ” من الحب ما يمسح الذنوب ” إنّ بورقيبة له أخطاء ما في ذلك شك و لكنّها أخطاء الرجل الذي يعمل و يحاول و يفكر و يجتهد …

ثمّ إنّ الأخطاء لا يجب أن تتحوّل إلى حاجز يغطي المنجزات و التحولات  و الإصلاحات و النقلة النوعية التي حدثت في تونس على كل المستويات و خصوصا المستوى التربوي و الذهني و الاجتماعي…و إذا جاز أن نتحدث عن ثورة في تونس فإنّه ينبغي أن نتحدث عن الثورة التي أنجزها بورقيبة و التي أحدثت انقلابا في العقل الجماعي التونسي.”. ليختم افتتاحيته بالقول ” و هذا الحب يشفع لبورقيبة كلّ أخطائه.. فهو لم يعش لنفسه و لكنّه عاش لوطنه، إنّ من الحب ما قتل .. و كذلك من الحب ما يمسح الذنوب “

لقاء ثقافي

بهذا نكون قدمنا للكتاب الذي ألّفه الإعلامي رشيد البكاي حول الزعيم الحبيب بورقيبة بعنوان ” حبيب تونس الزعيم الحبيب بورقيبة، حديث بعد ” و الذي كان محور اللقاء الثقافي أمس الإثنين الموافق لـ 20 مارس 2023 و المتزامن مع الذكرى 67 لعيد الاستقلال لبلادنا حيث غصّ فضاء المقهى الثقافي سيدي سالم ببنزرت بعديد القامات السياسية منهم، على سبيل الذكر لا الحصر، ( السادة بشير الخنتوش و الطاهر بن رجب و عم علي بن سالم و مصطفى قلوز و فتحي بالكاهية و الحبيب الوسلاتي و شكيب الذوادي و القائد الشريف الخماسي وشفيق الجندوبي و غيرهم  ) إلى جانب القامات الثقافية و الإعلامية و الشعراء و البورقببيين  عموما سواء من بنزرت و من خارج بنزرت، ليواكبوا تقديم هذا المولود الجديد و الذي قدمه باقتدار الدكتور عبد الرحمان المرساني و تولّى أيضا إدارة الحوار بكل سلاسة.

سي الحبيب نسيانك صعب، أكيد…

وكانت ضربة البداية بكلمة لصاحب الكتاب السيد رشيد البكاي جاء فيها بالخصوص ” و إن كنا اليوم نحتفل بالذكرى 67 لاستقلال البلاد علينا أن نتذكر الشهداء الأبرار و نترحم عليهم و أيضا ألاّ ننسى تضحيات كلّ الأجيال التي أتاحت لنا اليوم لنعيش أحرارا و على رأسهم الزعيم الحبيب بورقيبة، مبينا في سياق متصل و أنّه ألف هذا الكتاب بعد وفاة الزعيم بعيدا عن التزلف بل دفاعا عن خيارات بورقيبة و تضحياته من أجل بناء تونس الحديثة ” موضحا في ذات السياق بالقول ” و إني  أهدي باكورة اصداري إلى والدي محمد بن علي البكاي و والدتي فاطمة بنت حسين الشباب، علّني أردّ بعض الفضل لمن لا أستطيع ردّ أفضالهما و لو عشت الدّهر كلّه و ” قل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا “

تقديــم الكتــاب

1/من ناحية الشكل:

بيّن الدكتور عبد الرحمان المرساني و أن هذا الكتاب هو من تأليف الإعلامي القدير رشيد البكاي ابن بنزرت و قد أتى في 327 صفحة من الحجم المتوسط و تضمن 12 فصلا وهي : ” بورقيبة في الوجدان ” و ” بورقيبة، بنزرت و ثورة التحرير و التنوير ” و ” بورقيبة في جزيرة جالطة، رمزية المكان و الزمان ” و ” بورقيبة صالح بن يوسف، الفتنة أشد من القتل ” و ” بورقيبة و معركة بنزرت ” و ” بورقيبة و قضية فلسطين ” و ” معركة بورقيبة المسلم ضدّ الإسلاميين ” و ” بورقيبة بشر ” و ” بورقيبة يعود ” و ” بورقيبة في مرمى التلفزيون الذي أسسه ” و ” حزب بورقيبة و حديث بعده ” و أخيرا ” رمش عين و خواطر و ذكريات من حياة الزعيم « …

فضلا عن عديد الملاحق و الصور والتفاعلات الصحفية فيما كتب حول بورقيبة من مقالات، مع التأكيد  و أنّ كلّ فصل من هذه الفصول الـ 12  تفرع إلى عديد من العناوين و العناوين الفرعية الفرعية.

2/ من ناحية المضمون:

دون التوغل في تفاصيل مضمون هذا الكتاب نقول بايجاز و أنّ هذا الكتاب أتى في الحقيقة تعبيرا عن وفاء المؤلف للزعيم الحبيب بورقيبة و دفاعا عن خياراته بل و ردّا على كل ما كتب عبر الصحافة لمن تنكروا لبورقيبة و غيّروا بوصلتهم رغم فضائله عليهم و بل أيضا لتصحيح بعض الأحداث التي تمّ تأويلها بالخطأ – المقصود و أو غير المقصود –  و بعض التسريبات الكاذبة حول المرض النفساني لبورقيبة فضلا عن الوقوف عند بعض المحطات التاريخية في حياة الزعيم الحبيب بورقيبة  وخاصة فيما يتعلق بالفتنة اليوسفية و تنكر التلفزة الوطنية و تجنيها على بورقيبة باعث الجمهورية، إضافة إلى علاقته بولاية بنزرت خاصة منذ اندلاع معركة الجلاء ببنزرت مرورا بزيارته لإحياء هذه المحطة الوطنية الهامّة في حياة تونس مع التأكيد وأنّه في نطاق نقاش هذا الكتاب تمّ التطرق إلى العديد من الحقائق  الأخرى…

نقاش بنّاء ومفيد و مسؤول:

النقاش الذي دار بين الحضور حول هذا الكتاب و حول مسيرة بورقيبة عموما كان ثريا ، و كانت المداخلات كثيرة و لكنّها  كانت أيضا بنّاءة ومفيدة و مسؤولة باعتبار صدور البعض منها من شخوص كانوا بمثابة شاهد على العصر بحكم قربهم من الحبيب بورقيبة خاصّة إذا ما ذكرنا مداخلة السيد البشير الخنتوش أو مداخلات بعض الولاة القدامى على غرار السادة، منصف بن غربية، بن جلول و الطاهر بن رجب الوالي الأسبق لبنزرت و السفير السابق لتونس بفلسطين شكيب الذوادي أو بعض إطارات الدولة في تلك الحقبة كالسيد فتحي بالكاهية و السيد محمد الطيب، المدير العام للطيران المدني  و شاعر بورقيبة  عزالدين الشابي و شفيق الجندوبي المتفقد العام بالتربية و السيد مصطفى قلوز و عم علي بن سالم، عميد المقاومين و القائد الشريف الخماسي و غيرهم ممّن كانت لهم صلة بالسلطة عموما أو من الإعلاميين الذين حضروا هذا اللقاء. و أمام  كثرة المتدخلين  سنتولى بلورتها في محاور كالآتي  :

مغالطات للنيل من الزعيم بورقيبة 

*الكثير من المغالطات كانت تسرّب في حقبة الحكم البورقيبي  للمس من شخصه، منها ما تعلق بالوزير الأول محمد المزالي الذي لم يكن في خلد بورقيبة لا تتبعه و لا محاكمته و أيضا المغالطة الثانية التي تعلقت بطلاق بورقيبة لوسيلة بكونه كان طلاقا اداريا و للحقيقة كان طلاقا قانونيا  بل وراعى فيه بورقيبة  كل الإجراءات بتأكيد منه على غير ما سوّق له بكونه طلاق إداري كما يزعم البعض.

وثالثا، المغالطات و أنّ بورقيبة قال و أنّه يعتبر و أن الشعب التونسي هو ”   Une poussière d’individus ” بل  ذكر هذا الحديث أحد المعمرين في كتاب له و لكن لتشويه صورة الزعيم تمّ نسبها إليه.
*إنّ الرئيس السابق زين الدين بن علي لم يكن وفيا لبورقيبة كما ورد بالكتاب بل كان خائنا لبورقيبة ” و خان الماء و الملح ” و كان جبانا و يخشى بورقيبة و من الأدلة على خيانته هي كثيرة نذكر فقط محاولاته لطمس كل ما يتعلق من تاريخ بورقيبة و كيفية تنظيم جنازة بورقيبة و حشره في المنستير.
*جغرافيا، الكثير لا يعرفون البلاد التونسية و لكن يعرفون تونس عبر شخصية  بورقيبة  جيدا عبر العالم و أيضا كان بورقيبة من بناة الاتصال المباشر مع الشعب و ذلك بالاعتماد على أعيان كل منطقة و كان مستمعا وفيا للإذاعة و متابعا لكل القضايا التي تُثار عبرها بل و أحيانا كثيرة يتدخل و يسأل عن مآل بعض المشاكل التي تخص بعض أفراد الشعب ..

السيادة والحنكة لدى الزعيم

*رغم الظرفية العالمية  المضطربة دوليا و اقليما التي عايشها الزعيم بورقيبة كان قادرا أن يحكم بلدا أكبر من حجم تونس بحكم حسّه الاستشرافي و بحكم اطلاعه العميق على التاريخ و إلمامه الثقافي و القانوني و الحضاري بما يدور في الساحة الدولية و هذا ما مكنه من التعامل بحنكة مع كل المتغيرات بدليل موقفه من الحرب العالمية الثانية واستشرافه لمن ستؤول الأمور فيها.
* السيادة الوطنية كانت من أساسيات حكم بورقيبة وما موقف بورقيبة من الاعتداء الغاشم على منطقة حمام الشط في بداية الثمانيات من قبل الكيان الصهيوني و موقفه من إعلان القطيعة مع الغرب مما فرض على المنتظم الأممي وقتها من ادانة هذا الكيان الصهيوني و لم تستعمل الولايات المتحدة الفيتو و ربما لأوّل مرّة في التاريخ تنأى بنفسها. كما خاطب الرئيس بورقيبة محمد أنور السادات أيام انتقال الجامعة العربية إلى تونس بالقول ” أنا لا أوافق على السلم المغشوش “

 بورقيبة  يؤمن  بالعلم و لكنه غاضب عن بنزرت
*لا يوجد انسان معصوم من الخطأ و لكن بورقيبة له الفضل في نيل الاستقلال و علينا ألاّ نفرط فيه و لكن في المقابل كان بورقيبة ” يحقد ” على بنزرت  ممّا جعل علاقته ببنزرت علاقة فاترة و أيضا بورقيبة  فوّت على تونس الفرصة  لتكون بلدا ديمقراطيا و رغم ذلك تفوّق بورقيبة على كل الذين حكموا تونس بعد الثورة بل كان يؤمن بتكوين الموارد البشرية خاصة في المجالات العلمية و بمناسبة زيارته إلى مؤسسة الطيران المدني و بعد اطلاعه على عمل هذه المؤسسة و تكوينها في هذا المجال قال بورقيبة بعد انتهاء زيارته  ” هذه هي سياسة بورقيبة المهتم بالعلم”.

شاهد على العصر

*لن أتحدث عن الزعيم بورقيبة بل سأتحدث عن صاحب الكتاب سي رشيد البكاي الذي هو في الحقيقة ليس مؤرخا و لكنه عايش كلّ هذا الزخم من الأحداث الوطنية و اعتبره فاعلا اجتماعيا كمصدر للمعلومة و اجمالا اعتبر المؤلف شاهد عن العصر باعتبار كونه يراكم أرشيفا كبيرا و صورا تؤرخ  للكثير من الأحداث بحكم تعاطيه لمهنة الإعلام و لكن للكتابة تقنيات وأدوات لا بدّ  منها وكان ربما محبذا لو استعان ببعض المختصين ..

بورقيبة في الوجدان الفلسطيني

بفلسطين أهدى بورقيبة مدرسة للبنات بمدينة ” بير زيت ” الفلسطينية متخصصة في تعليم البنات فقط و من المفارقات الجميلة و أن هذه المدرسة تحتفل كل 20 مارس بذكرى استقلال تونس و إنّ الزعيم بورقيبة له حضور كبير في وجدان الشعب الفلسطيني.

طـرائـف بورقيبة

*من الطرائف التي ذكرت عن الزعيم و أنّه في عهد المدير العام   للإذاعة السابق عبد الرزاق الكافي أنّه تمّ إقرار بث الآذان في الإذاعة مع كل موعد صلاة وذلك بتعليمات من محمد المزالي و صادف أن توقف لدقائق  البرنامج المفضل للرئيس ” قافلة تسير ” من أجل بث الآذان فهاتف بورقيبة مباشرة المدير العام  للإذاعة و قال له ” سي عبد الرزاق حطيناك مدير عام على الإذاعة أقمت فيها الآذان “
* لتختم هذه المداخلات بقصيدة للشاعر عز الدين الشابي موضوعها ” الجسر المتحرك ببنزرت ” كان قد قدمها للرئيس بورقيبة بمناسبة تدشين هذا  الجسر ببنزرت …

واخيــرا

شكرا للسيد عفيف كشك الذي آمن بالفعل الثقافي باعتبار القاطرة الأساسية في أي فعل حضاري أو تنموي و ذلك بتخصيصه هذا المقهى الثقافي و شكرا أيضا لشيخ الإعلاميين و الكاتب رشيد البكاي على هذا المولود الثقافي/السياسي الجديد الذي أنار العديد من النقاط الإيجابية و أيضا السلبية في مسيرة الزعيم بورقيبة متمنين له مزيد من الألق على درب الكلمة. وشكرا لكلّ الحضور الذين أثروا النقاش و أماطوا اللثام على الكثير من الحقائق..

مواكبة: الأمين الشابي

 صـــور: حنان الذوادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى