صالون الصريح

محمد الحمّار يكتب: إفشال المؤامرة الكبرى على تونس.. وإنجاح 25 جويلية..

كتب: محمد الحمّار

بعد المؤامرة الصهيونية العالمية واغتصاب الصهاينة لأرض فلسطين التي عرفها القرنان 19 و20 بصفتها أعتى المؤامرات إذا استثنينا الاستعمار نظرا للعدد الهائل من البلدان والشعوب التي ذهبت ضحيته، وإذا استثنينا كذلك الحربين العالميتين نظرا للكوارث المتنوعة التي تسببتا فيها…
جاءنا القرن 21 بما يلوح أنه أكبر مؤامراته ألا وهي ما سُمي بـ الربيع العربي على الأخص في بُعده التونسي والذي بلغ ذروته في 14 جانفي من سنة 2011.. 

منظومة 25 جويلية

أمّا الدليل على بطلان الثورة فهو مجيء منظومة 25 جويلية بصفتها إزاحة للحُكم الذي كانت قد جاءت به ‘الثورة’ والذي جثم على قلوبنا وتلبّد بضمائرنا وكبّد خزينة الدولة خسائر أسطورية لمدة عشر سنوات كاملة.
فلو لم يكن حُكم “الثورة” جائرا وفاسدا لَما كان 25 جويلية، في هذه المقالة سوف أحاول تسليط الضوء على ما أعتبره مكمن الداء الذي تعاني منه تونس الآن، ألا هو تَعثّر تلك المنظومة الراغبة في إصلاح ما أفسدته الثورة المزعومة التي تآمرت على تونس والتونسيين.
لن أثير إذَن أيّة تفاصيل عما حدث آنذاك بين 17 ديسمبر و14 جانفي، لا لشيء سوى لأنّ كثيرين هُم من يحملون نفس قناعتي حول طبيعة ما حدث، وبالتالي سيكون الخوض في تفاصيل المؤامرة التي حصلت سانحا لمن يؤمنون بأنها كانت ‘ربيعا عربيا’ لكي يساهموا بقوة وعناد كبيرَين في المزيد من مضيعة الوقت في زمنٍ ما أحوجنا فيه لكل ساعة بل لكل دقيقة حتى نتدارك ما فات. 

أولوية الأولويات…

بادِئ ذي بَدْء، فقط أُذَكر أنّني سأنطلق من الحلقة الأخيرة من المسلسل ألا وهي الحلقة الحالية، الراهنة، التي يتفرج فيها كل تونسي لكن لا يتقمص فيها أيّ دور إيجابي. إنّ أولوية أولويات تونس والتونسيين في مشهد الحلقة الحالية أنه لا ينفعُ التفكير في تزويد السوق بالمواد الناقصة وبالأدوية، ولا في كيفية محاربة الفساد، ولا في إيجاد مواطن شغل، ولا في السيطرة على التضخم، ولا في إلغاء قانون المالية، ولا في إصلاح التعليم، ولا في الضغط على قيس سعيد كي يتنحى، ولا في إعادة البرلمان لسالف نشاطه لِما قبل 25 جويلية وما إلى ذلك. فكل هذا وأكثر من هذا سيتم إصلاحه تباعا في حالِ تتبدّل المقاربة العامة.
عن أية مقاربة نتحدث؟ لماذا يتوجب تبديلها؟ كيف يتم التبديل؟ للإجابة، أولا نعاين أنّ قيس سعيد مارس الحُكم انطلاقا من أرضية مفتتة فكان حُكمه متذبذبا على غرار الأرضية التي مورسَ فوقها حُكمه وأنّ الطبقة السياسية لم تساعده على توحيد تلك الأرضية. ويعود تفتُّت الأرضية إلى كَون الطبقة السياسية تضم في الآن ذاته من يؤمنون بحدوث الثورة ومن يفنّدون حدوثها، وهذا في حدّ ذاته قد شكّل حجر عثرة أمام ضمان الحدّ الأدنى الضروري للتفاهم فيما بين مكونات الطبقة…

على كفّ عفريت..

ثانيا، لست بمدافعٍ عن الرئيس ولا بمعارضٍ له، ولكنني أستاء، بل أحزن لرؤية بلدي وقد وضعته الأقدار على كفّ عفريت يسمى بالثورة أو بالربيع العربي، مما حدا بالرئيس قيس سعيد (ربما دون سواه ممن سبقوه في الرئاسة منذ 14 جانفي) أن يتصارع مع العفريت بعقلية ازدواجية، مكتسبة وليست فطرية، تمثّلَت في الأخذ بخاطر من يؤمن بحصول الثورة وفي نفس الوقت الأخذ بخاطر من لا يؤمن بحصولها…
وهذا يُعدّ محاولة تجميعٍ لوضعٍ لا يتحمل التجميع، وضعٍ أسفر عن الازدواجية بين الخطاب والممارسة لدى الرئيس وبالتالي أسفر عن الفشل.

حدّة الانقسام

ثالثا، مع هذا نَخلص إلى أنّ الانقسام إزاء مسألة الثورة يجعل تقييم قيس سعيد لإعلانه رئيسا جيّدا أو رئيسا سيئا ليس بموضوعٍ يُطرح، مثلما يُتداول بين الناس منذ أن بدأ تحوّل 25 جويلية يوحي بالفشل أكثر منه بالنجاح. زد على ذلك كَون الانقسام قد أفرز تناقضا بين خطاب الرئيس وممارسته، كما ذكرنا، وأيضا حالة من الانفراد بالحكم ليس حجة على تَورّط الرئيس في تعمّد التزلف بين ما يقوله وما يفعله وإلا على برمجة الإنفراد بالحكم. كان ذلك من تبعاتٍ موضوعية أسفر عنها الحُكم فوق منصّة إيديولوجية لمجتمع سياسي منقسم، بل انقسم نفسه بنفسه وبالتالي ليس الرئيس من تسبب في انقسامه. والحالة تلك، ليس اتهام الرئيس بالازدواجية أو بالانفراد بالحكم بموضوعٍ يُطرح. بل إنّ الموضوع الأصلي هو رتقُ البون الذي يفرّق الفئتين المنقسمتين.

مكمَن الداء

رابعا، كان على منتقدي ومعارضي الرئيس (بالتنسيق مع مناصريه) أن ينظروا إلى مكمَن الداء بمنظارٍ ثاقب عسى أن يتحققوا حينئذ أنهم ممن تسببوا في خلق مناخٍ من الشك والتشكيك حول منظومة 25 جويلية عوضا عن بناء أرضية تجميعية (بمَعية أنصار الرئيس والمنظومة) من شأنها الحيلولة دون التشكيك ودون فشلِ المنظومة، وبالتالي كان عليهم أن يوَجهوا الرأي العام إلى التفكير والتحاور من أجل أن تتوحد الصفوف كي تكون إدارة الشأن العام تجميعية وموحَّدة هي الأخرى وواضحة وفي محلها.
خامسا، في الأثناء أعتقد أن الرئيس كان ينتظر من مكونات النخب أن تكون خلاقة وفعالة، لكن تبيّن أنها لا تملك تصورا سياسيا تجميعيا، لا بالجملة ولا بالتفصيل. بالعكس هي التي كانت تنتظر الرئيس في حين أنه كان مراهنا عليها لتزويده بالمادة الفكرية والسياسية الخام التي ستكون أرضية لإدارة البلاد. كما قد يكون الرئيس نفسه مُقصّرا ولم يتفطن لهذه الضرورة ولم يخلق لها السبل. 

عموما، من الغريب والمؤسف أن نرى مثل تلك الانتظارية والتواكل عند النخب بمثابة التعويض لِما كان من الضروري أن يكون من مبادرة وجرأة وتشاركية. وهذا مما يعني أنّ النعمة قد أريدَ لها أن تتحول إلى نقمة، كما نراه في تَشكل الجبهات المناهضة للرئيس ولطريقة إدارته للشأن العام. وكأني بالنخب قد استقالت من مهام تزويد الحاكم بالمادة الخام لتتقمص دور المنتج لآليات الانتقاد. كأني بها لا تزال تؤمن بوقوع المعجزات.

ماذا جرى في 14 جانفي؟

سادسا، إنّ أفضل وقود لحراك تجميعي منشود هو مراجعة تاريخية لطبيعة ما جرى في 14 جانفي. وفي إطار المقاربة التجميعية، مقاربة الإنقاذ، يتوجب على النخب بمختلف تخصصاتهم وعلى رأسهم الرئيس قيس سعيد أن يشنّوا حملة موَثقة ومدعمة بالأدلة ومجسمة بالصور والفيديوهات تكون مخرجاتها أنّ الذي حدث في تونس في 14 جانفي من سنة 2011 لم يكن ثورة وإنما كان مؤامرة سيئة الذوق وخطرة على البلاد والعباد.
أعني أنه يتوجب عليهم القيام بحملة تهدف إلى أن يُثَبٌت التونسيون أقدامهم فوق أرضية تونس بعد ما قفَزت بهم في المجهول مؤامرة القرن 21، مؤامرة الإسلام السياسي.
سابعا، سيكون توحيد العقيدة السياسية مِعولا لحُكمٍ رشيد. ما من شك في أنه سيَنجم عن التعديل في الموقف السياسي العام حُكمٌ ومواقف سياسية وأوامر ومراسيم رئاسية وقرارات حكومية منسجمَة مع عقيدة مجتمعية واحدة. مردّ ذلك أنّ المقاربة الجديدة، بناءً على أنها تجميعية، من شأنها أن تسمح بتشكيل أرضية فكرية وسياسية مشتركة بين كل فئات الشعب بحساسياتهم كلها مهما تعددت (مع أنّ عدد هاته الحساسيات سيتقلص تدريجيا بقوة التجميع). 

مقاومة الأباطيل

والحالة كما وصفناها، إنّ الخلاص لتونس يتوقف على مقاومة التشكيك في منظومة 25 جويلية والحذر الشديد من إفشالها وتعويضها، حيث إنّ التاريخ يرفض المفعول الرجعي. على العكس من ذلك ينبغي على المجتمع السياسي أن يضمن استدامتها لا لشيء سوى لأنها تمثل مقاومة الأباطيل التي خلقها باطلٌ سُمي بالثورة أو الربيع العربي ودام عشرية كاملة من عمرنا.
مع هذا، بالرغم من أنّ ما فعله حُكم قيس سعيد بإطلاقه مبادرةَ 25 جويلية يُعدّ حركة تصحيحية لمسار “الثورة” الخاطئ إلا أنه لا يعدو أن يكون سوى خطوة أولى لم تُشفع بالمثابرة اللازمة، شوطا أولا في مباراة ذات أشواط لم تبرز بعدُ. فالمطلوب اليوم خوضُ الشوط الثاني والثالث إن لزِم الأمر خشية أن تبقى البلاد في وضع لا يضطلع فيه كلّ واحد من مكونات المجتمع بمسؤولياته، في وضعٍ يرفضون أن يكونوا فيه كلهم راعٍ “وكل راع مسؤول عن رعيته”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى