صالون الصريح

محمد نجيب عبد الكافي يكتب من مدريد: حديث في الاتــفــاقــيــات المُكبِلة لتونس…

كتب: محمد نجيب عبد الكافي

“3 جوان 1955 الباي محمد الأمين يوقع على جملة من الاتفاقيات المصيرية مع الجانب الفرنسي سنة قبل اعلان استقلال تونس وإنهاء الاستعمار الفرنسي للبلاد… وهي اتفاقيات اتضح فيما بعد أنها مكبلة لنا وأنها تديم الاستعمار وتجعله متواصلا ولو بطرق مختلفة حتى وإن رفع العلم التونسي وخرجت الجيوش الفرنسية من أراضينا…

نذكر بهذا التاريخ المفصلي في تاريخ تونس الحديث لسبب بسيط وهو أنه تاريخ جعل كل من واكب ندوة مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات ليوم السبت 21 جانفي الجاري يشعر بأننا لا نزال نراوح مكاننا ولا زلنا لم نتجاوز حقبة الاستعمار وما زلنا في تلك الأجواء التي سبقت الإمضاء على اتفاقيات إدامة الاحتلال الفرنسي لتونس”

الاتفاقيات المشؤومة

هكذا كتب مشكورا الأستاذ نوفل سلامة، عن حدث، قد أكون آخر ضحاياه الأحياء، خصصت له مؤسسة التميمي المشكورة دوما عن تحريك الكوامن، وهو توقيع الاتفاقيات المشؤومة التي منحت الاستعمار صكا على بياض، ليستقر بأرضنا إلى أبد الآبدين، رغم المعارضة الشديدة والتصميم على نبذها من أغلبية الشعب التونسي، معارضة قدرها الإحصائيون يومها بأكثر من سبعين بالمائة بقليل، وهي نسبة بليغة معبرة.
لكن رغم هذا فقد فرضت بتآزر المستعمر مع الذين قالوا ” إنها خطوة إلى الأمام” ففرضوها وسجنوا وقتلوا وعذبوا من عارضها. هذا ما جعلني أقول وأكتب في كل مناسبة أتيحت سائلا: ” هل نحن مستقلون؟” وكثيرا ما كتبت، خاصة على صحيفة العرب التي تصدر بلندن، عندما كنت مراسلها، وآخر مناسبة على ما أّذكر، كانت بالمدرسة السليمانية حيث دعيت من جمعية خريجات مدرسة نهج الباشا، لتقديم كتابي عن إسبانيا من الدكتاتورية الى الديمقراطية – أمثولة وقدوة – فطرحت السؤال مضيفا بالحرف الواحد” هذا سؤالي ألقيه عليكم، ولكم كل الوقت، يوم، أسبوع، شهر، سنة، ما شئتم، حتى تجدوا الجواب.” قلت هذا لأني كنت واثقا، طال الزمان أم قصُر، سيحين وقت ظهور الحقيقة، ولعله حان أو على وشك. كتبت كذلك مرات مطالبا بكشف ما أخفي مما حوته الاتفاقيات، فظهر قبل سنوات قليلة من الآن ـ  جانفي 2023  ـ من حاول، لكن خمد صوته في الحين لأسباب لا أعرفها، لكني أتصورها بكل تأكيد…

سقطت الحصانة..

أما الآن، وقد مرّ على تلك الاتفاقيات ثلاثة أرباع قرن تقريبا، أي أكثر من جميع المدد المقنّنة لدى جميع دول العالم، فقد سقطت حصانة السرية، وأصبحت تلك الاتفاقيات ” المُكبِّلة (بكسر الباء) حقا من حقوق الشعب وجماهيره، وأصبح فحواها غير ذي حصانة ولا سرية. فلأي امرئ حق، كي لا أقول واجب، الاطلاع عليه وفهمه، حتى يدرك ويفهم وضعه على حقيقته. فهل من بين مسؤولينا من يجرأ، مخلصا ومغامرا، من أجل الحق والحقيقة، بدافع الواجب أو حب الاطلاع، فيخرج لنا تلك الاتفاقيات “الغريبة” من مخبئها، أم هي حاملة حصانتها وسريتها، وألغازها المسمومة، ضمن شروط توقيعها، فهي إذن أبدية الدوام والمفعول؟

من السرية إلى العلن

إن كان الأمر كذلك، وفي اعتقادي الخاص هو كذلك، إلى أن يأتي ما يخالف، فتخرج النصوص من السرية إلى العلن، فيرى الشعب ما أخفي عنه، ليتيقن أنه مكبل مكتوف، لا اليدين والرجلين، بل الإرادة وحق الدفاع عن النفس، في ظل نظام يدعي أنه ديمقراطي، ضامن لكل مواطِنة وكل مواطن، جميع الحقوق التي تحددها ” الديمقراطية الحقة” في أي شعب يتخذها نظاما لحكمه وتسيير شؤونه. لكن، وأقولها بكل صراحة وفصاحة، اتفاقيات الشهر السادس من عام خمسة وخمسين وتسع مائة وألف، هي محرمة لا يجوز ولا النقاش فيها، إنها كما يقول المسيحيون ” دوغما Dogma¨” أو عقيدة، تقبل وتطبق على علاتها. لماذا يا ترى؟

لأنه لا فائدة في ذلك فهي مفروضة مسلطة، صفتها الأولى الديمومة والثانية الغموض، أما الغاية فهي ما نحن نقاسيه الآن وسنزال نقاسيه إلى أن تُدفن الاتفاقيات وهذا من المستحيلات السبع، لأنها وقعت لتبقى حية فعالة، ونبقى نظن أننا مستقلون، ونحن عبيد مكبلون.
ختاما أجرأ وأقول لمن يرى غير رأيي: ” تفضل أقدم وقم، أو هات بمن يقدم ويقم ” ببعث الاتفاقيات من مخبئها فتدرس، وتشرّح، وتحلل، فتقبل عن رضى وموافقة، أو ترفض كما رفضت قبل سبعين عاما ويزيد. لا لشيء سوى أن نصبح حقا مستقلين.

مدريد في 25-1-2023.    

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى