صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: الاحتفال بحلول السنة الميلادية بين التعايش والاستلاب…

كتب: نوفل سلامة

يُعاد في مثل هذه الأيام ونحن على مقربة من غلق سنة من الزمن وحلول أخرى الحديث عن مشروعية الاحتفال بـ رأس السنة الميلادية، ويُطرح من جديد نفس السؤال الذي يُعاد كل مرة لماذا يشارك العرب والمسلمون غيرهم من الشعوب الغربية في الاحتفال بحلول العام الجديد؟

ولماذا نحتفل نحن المسلمين بعيد ميلاد السيد المسيح ونشارك المسيحيين أعيادهم ونقلدهم في طريقة الاحتفاء بحلول السنة الميلادية الجديدة في الوقت الذي لا نجد هذه الأقوام تشاركنا أعيادنا؟ وهل من مبرر لما يحصل في مجتمعاتنا من مظاهر الإحتفال على النمط والطريقة الغربية في الإحتفال بحلول رأس السنة الجديدة؟

لماذا نشارك؟

يقول البعض لماذا نشارك غيرنا أعيادهم في الوقت الذي لا يشاركوننا هم أعيادنا؟ ولماذا نلزم أنفسنا كل سنة بما يعدّ من ميزات أقوام آخرين وخصوصيتهم الثقافية والحضارية؟
وهل نجد في سمات الشخصية العربية والتونسية ما يُفسر هذا التقليد السنوي الذي يلقي بظلاله الكثيفة على كامل المعمورة؟

تطرح كل هذه الأسئلة رؤيتين الأولى تعتبر أننا كمسلمين غير معنيين بعيد رأس السنة الميلادية لما لها من ارتباط بالدين المسيحي، وما قرره أساقفة الكنيسة من تحديد ذكرى ميلاد السيد المسيح في يوم 24 ديسمبر من كل سنة، وما يتبعه من احتفالات سموها أعياد الميلاد تنتهي بنهاية الشهر ودخول السنة الجديدة، وفي إتباع المسلمين الغرب المسيحي في هذه الأعياد وخاصة الاحتفال بنهاية السنة تقليد لملة أخرى وإتباع لأعياد ديانة أخرى نحن مطالبون شرعا بعدم السير وراءها ومطالبون بالتميز عن غيرنا وخاصة في موضوع الأعياد الدينية…

هيمنة الآخر

ويرى أصحاب هذه النظرة أن العالم الإسلامي يعيش في راهنه استلابا فكريا وثقافيا وحضاريا كبيرا وهيمنة الآخر علينا في كل ميادين الحياة وهي استراتيجية يتبعها الغرب لإبقائنا تبع له ومقيدين به وهذا السلوك هو صورة من صور الاحتلال والاستعمار الذي يمارس علينا ويجعلنا في حالة من الاحتواء الدائم والمستمر فالخطر الكبير أن نوهم أنفسنا بأن لنا شخصية مستقلة وبأننا أسياد أنفسنا وبأننا نتميز عن الآخرين في الظاهر والحال أننا مسلوبو الإرادة ولا نرى إلا ما يراه غيرنا الذي يسعى ويعمل على أن يبقينا في حالة ضعف دائم وتبعية حضارية وثقافية مستمرة.
ويفسر أصحاب هذا الرأي ما يحصل من مواكبة العرب والمسلمين لأعياد واحتفالات الغرب المسيحي وخاصة مشاركتهم في احتفالات رأس السنة الميلادية التي لها رمزيتها الدينية رغم ما حصل لها من تشوه أبعدها عن بعدها الديني، كما قررها المسيحيون الأوائل بطبيعة الشخصية التونسية والشخصية العربية عموما القابلة بالاحتواء والمتساهلة مع خصوصية الآخرين، هذه الشخصية التي تسمى تونسية قابلة بسيطرة الآخر وقابلة بإتباع محتلها وغير قلقة من هيمنة الأجنبي على حياتها وشعورها وضميرها الفردي والجمعي، وهي شخصية تفتقد لتميز البُعد الحضاري ويغيب عنها الوعي بخطورة الهيمنة وينقصها الاعتزاز بالذاتية والخصوصية وتاريخها الطويل الذي يمتد إلى ما قبل حلول القرطاجيين بيننا دليل على قبول هيمنة الأجنبي.

تغريب وانسلاخ

في مقابل هذه النظرة للعلاقة بالآخر والتي ترى فيما يقوم به الفرد التونسي من مشاركة المواطن الغربي احتفاله برأس السنة الميلادية استلابا وتغريبا وانسلاخا عن الشخصية العربية الإسلامية، وتعبيرا عن خضوع الحياة اليومية لعلاقات الهيمنة الغربية في كل المجالات من اقتصاد وصولا إلى كل ما هو رمزي ومعنوي، هناك رؤية أخرى للموضوع ومقاربة مختلفة للمسألة تبتعد بها عن هذا التحليل الذي ينظّر للقطيعة مع الغرب ويؤسس لعلاقة تعايش واعتراف متبادل وخاصة الاعتراف بضرورة التعايش في عالم قد أصبح اليوم قرية صغيرة تحكمها قيّم إنسانية مشتركة وثقافة جامعة بعيدا عن نظرية المؤامرة وفكرة أن الغرب يخطط للهيمنة علينا ويسعى لاحتوائنا وهي رؤية تعتبر أن مثل هذه الاحتفالات التي يقوم بها العرب لا تعني ضعفا في الإيمان ولا تنكرا للإسلام وتشريعاته…
وإنما تعني أن هذه الشعوب محافظة على المشترك الإنساني وأن تاريخ الإسلام في علاقته بالديانات الأخرى في تفاعل جدلي وفي حوار مستمر وفي اعتراف بما هو أصيل وثابت فالعلاقة بالآخر لا تقوم على الصراع والتناحر والمحو وإنما على الاعتراف بما هو مشترك والمشترك في قضية الحال أن الحيز الكبير الذي يلقاه النبي عيسى وأمه مريم في القرآن الكريم والصورة المثلى لقصة ولادته وسيرته في النص الإسلامي بعيدا عن كل التشوهات التي أتى بها المسيحيون المتأخرون حيزا لا نظير له في الكتب السماوية الأخرى بما يدل على قيمة هذا النبي في المخيال والذهنية الإسلامية.

احتفال بمناسبة

ما يسعى إلى قوله أصحاب هذا الرأي هو أن الاهتمام بنهاية السنة والاجتماع العائلي الذي يحصل في البيوت التونسية وحتى العربية بهذه المناسبة ليس فيه تشبها بالمسيحيين ولا تقليدا لهم بقدر ما هو احتفال بمناسبة يحتفل بها العالم بأسره و تهتم بها الإنسانية كونها نهاية مرحلة وبداية أخرى وأفول فترة زمنية وانطلاق أخرى. فأن نحتفل بأعياد قد أصبحت من الضمير الإنساني وتحولت إلى ظاهرة كونية لا يعني تنكرا للهوية الذاتية والخصوصية العربية الإسلامية.
ما حاولنا أن نبسطه من نقاش متواصل وخلاف في الرأي لن ينتهي يطرح في العمق السؤال الكبير من نحن ومن نكون؟
وما هو موقعنا في هذا العالم الذي تهيمن عليه الهويات القوية والثقافات المسيطرة؟ ويطرح سؤالا آخر حول كيف نعيش إسلامنا في عالم يطغى عليه النموذج الغربي وصورة المجتمعات الرأسمالية المشبعة بالقيم والمبادئ الدينية للمسيحية التي لا ترى في العلن ويستبطنها الفرد الغربي في سلوكه وتصرفاته وحتى أفكاره؟
فهل حقا أن ما يحصل لنا نحن العرب والمسلمين هو حالة من غياب الوعي بأهمية التفرد والتفوق والتميز والوعي بقيمة الانتماء الحضاري والثقافي لهذه الأمة التي كانت في وقت من الأوقات سيدة العالم ولغتها لغة العام وثقافتها هي الثقافة المهيمنة في العالم؟       

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى