صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: تطورات جديدة في ملف ‘قرض صندوق النقد الدولي’

كتب: نوفل سلامة

رغم أن مديرة صندوق النقد الدولي السيدة كريستالينا جورجيفا قد نصحت السيدة نجلاء بودن رئيسة الحكومة التونسية خلال اللقاء الذي جمعهما في ” القمة العالمية للحكومات ” التي التأمت مؤخرا في دبي بأنه ليس من مصلحة البلاد التونسية الآن أن تطالب بإعادة طرح ملفها المالي المتعلق بمنح تونس قرضا قيمته 1.9 مليار دولار ضمن جدول أعمال مجلس إدارة صندوق النقد الدولي

بالرغم من التقدم الكبير الذي أحرزته الحكومة التونسية في تجاوز كل الصعوبات التي كانت حائلا دون الحصول على هذا القرض المرتقب، بعد أن تجاوزت كل الصعوبات ونفذت ما التزمت به وطبقت كل الشروط المتوقف عليها إمضاء الاتفاق مع الصندوق، في علاقة بالأسباب التي جعلت الصندوق يؤجل أو يعلق النظر في الملف التونسي منذ يوم 19 ديسمبر من العام الماضي إلى أجل غير مسمى…

إعلان إفلاس الدولة؟

فإن كل المؤشرات والانطباع الذي حصل إثر اللقاء الذي جمع نجلاء بودن بمديرة الصندوق وتصريحات هذه الأخيرة بخصوص الملف المالي التونسي كانت جد إيجابية وتوحي بقرب حصول اتفاق بين الجانبين، يقضي بمنح تونس القرض المطلوب بالرغم من كل المخاوف والخشية التي يبديها بعض الخبراء عن قرب ذهاب تونس إلى نادي باريس من أجل إعادة جدولة ديونها بما يعني الإعلان الرسمي عن إفلاس الدولة وعن عجزها لسداد ديونها وإلزام الحكومة ببرنامج تقشف صارم وإجراءات أخرى لها تداعيات سيئة على حياة المواطن وعيشه من أجل إنقاذ البلاد واسترجاعها لتوازنها المالي….

الجديد هذه المرة في تصريحات مسؤولي إدارة صندوق النقد الدولي والذي مثل منعرجا هاما في الملف التونسي فيما اعتبر تقدما كبيرا قد حصل في استجابة الحكومة التونسية للإصلاحات المطلوبة المتوقف عليها حصول الاتفاق مع الصندوق، وهي إصلاحات تتعلق أساسا بمراجعة منظمة الدعم في اتجاه رفعها تدريجيا..
وقد أحرزت فيها الحكومة التونسية أشواطا كبيرة والضغط على كتلة الأجور والتوقف عن الانتدابات في الوظيفة العمومية وهو ما حصل فعلا في قانون المالية الحالي، وأخيرا إعادة النظر واتخاذ إجراءات في المؤسسات العمومية التي تشكو صعوبات مالية وتكبد الدولة سنويا أموالا طائلة وهو موضوع في طريقه إلى الحل بعد مصادقة مجلس الوزراء مؤخرا على المرسوم المنقح لقانون 1989 المتعلق بالمساهمات والمنشآت العمومية في انتظار نشره بالرائد الرسمي، وبذلك تكون البلاد التونسية قد استوفت جانبا هاما من التزاماتها تجاه صندوق النقد الدولي المتعلقة بالإصلاحات الهيكلية…

تحوّل كبير

المفيد الذي نخرج به من هذا التحول الكبير في الملف التونسي في علاقة بموافقة صندوق النقد الدولي على منح تونس قرضا بقيمة 1.9 مليار دولار هو أنه على خلاف ما كان يُعتقد من أن المناخ السياسي المتوتر في البلاد وغياب الاستقرار السياسي في علاقة بما أقدم عليه الرئيس قيس سعيد من تغيير لكامل المشهد السياسي والتراجع عن المسار الديمقراطي الذي تم رسمه بعد الثورة، والإجراءات التي تبعته بداية من حدث 25 جويلية 2021 كان أحد الأسباب التي عطلت تقدم الملف التونسي وعرقلت حصول اتفاق مع الصندوق فإن مديرة صندوق النقد الدولي قد أرجعت تأجيل النظر في القرض التونسي إلى أسباب فنية وأخرى هيكلية وإلى عدم استكمال الإصلاحات المطلوبة وبطء تنفيذ ما التزمت به الحكومة التونسية…

واعتبرت أن الأمر لا يتعلق بالوضع السياسي ولا بالوضع العام بالبلاد بما يعني أن ما كان يروجه معارضو مسار 25 جويلية في الداخل والخارج الرافضون للإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد من أن صندوق النقد الدولي يستعمل للضغط على الحكومة التونسية وعلى الرئيس قيس سعيد للعودة الى الحياة الديمقراطية والمؤسسات الديمقراطية لا أساس له من الصحة..

تقدم كبير

حيث أوضحت مديرة الصندوق أن المسار المالي و موضوع القرض مختلف عن المسار السياسي ومسألة الاستقرار السياسي وأن المسارين مختلفين وغير ملازمين ولا تأثير لأحدهما على الآخر.
والمفيد الآخر والذي يعتبر جديدا في علاقة الصندوق بالحكومة التونسية هو أنه رغم الإقرار بأن الحكومة قد احرزت تقدما كبيرا في الشروط والإصلاحات إلا أنه طالب بحصول تونس على موافقة بعض الشركاء الدوليين على تمكين تونس من تمويلات إضافية أخرى إلى جانب تمويل صندوق النقد الدولي، وقد تم تبرير هذا الشرط الجديد بأن الصندوق يعتبر أن القرض المرتقب غير كاف لإنقاذ المالية العمومية ومواصلة الاصلاحات وتحسين الوضع المالي وأن الصندوق يريد أن يضمن للبلاد أكبر قدر من التمويلات حتى تستطيع النهوض واستعادة توازنها المالي…

ويبدو أن ضمانة أصدقاء تونس وخاصة الدول العربية الصديقة قد تم الإعراب عنها لإدارة الصندوق من بعض الدول العربية على غرار السعودية والإمارات العربية المتحدة والجزائر.  

نقطة خلافية وحيدة

وإذا أردنا حوصلة كل القصة التي طالت فصولها مع إدارة صندوق النقد الدولي لمنح تونس قرضا قد لا يفي بالحاجة ولكنه مهم لاسترجاع البلاد ثقة المؤسسات المالية والدول في التعامل معها… فإننا نقول بأن الدولة التونسية قد حققت أشواطا كبرى فيما طالب  به صندوق النقد الدولي في موضوع رفع الدعم وإصلاح هذه المنظومة التي يراها تستهلك جانبا كبيرا من ميزانية الدولة وما طالب به من التحكم في كتلة الأجور والتوقف عن الانتدابات وما طالب به من إصلاح منظومة الجباية وما طالب به من صدور قانون للمالية قد تحقق…

 وهو ما اعتبره الصندوق أمرا إيجابيا وسيرا في الطريق الصحيحة إلا أن الذي بقي ويتطلب توضيحه حتى يُعاد إدراج الملف التونسي ضمن جدول أعمال الصندوق هو ملف المؤسسات العمومية حيث ينتظر الصندوق موقف الاتحاد العام التونسي للشغل من موضوع إصلاح هذه المؤسسات التي تشكل اليوم نقطة خلاف كبرى مع الحكومة..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى