صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: صعوبة الخروج من المأزق أو حينما يصبح الحل من خارج الوطن !

كتب: نوفل سلامة

عملية استشراف المستقبل وتلمس ما عساه يحصل في قادم الأيام هي عملية ليست بالسهلة بل لعلّها مقلقة ومحيّرة خاصة حينما يتعلق الأمر بالتكهن بالأحداث التي من المنتظر أن تقع وبما يخبئه القدر والمصير للإنسان كفرد أو كجزء من المجموعة والجماعة التي يعيش فيها…

ويزداد هذا القلق أكثر حينما يتعلق الأمر باستشراف ماذا سيقع لـ تونس من تطورات في المستقبل، وهي تعيش على وقع أزمة متعددة الأبعاد حادة ومركبة ومعقدة وصلت إلى حد الإنسداد التام وحصول حالة من العجز المكبّل للوصول إلى معرفة المخارج الممكنة ويزداد الأمر صعوبة حينما لا نجد اتفاقا على تحديد أسباب الأزمة وخلفياتها على اعتبار أن التشخيص الخاطئ أو عدم الاتفاق على تشخيص واحد قد يؤدي إلى إنتاج حلول خاطئة أو منقوصة.

أزمة عميقة وخطيرة

اليوم لا يخفى على أحد أن البلاد تمر بأزمة عميقة و خطيرة على جميع الأصعدة فيها ما هو اقتصادي واجتماعي وسياسي وحتى بيئي تنبئ بالانهيار التام لكل البناء وبهدم الدولة…كما لا يخفى على أحد أن هناك صعوبة في تلمس طريق الخلاص والتوفق إلى حل لتجاوزها وهناك عجز كبير في رسم معالم خارطة طريق لإنهائها، وهناك قطيعة في التواصل بين جميع الفاعلين السياسيين حكما ومعارضة أو قل هناك تشتّت في صفوف الفاعلين السياسيين من المعارضة للاتفاق على مخرج للبلاد وعدم قدرة على التوحد في مشروع سياسي بديل يحمل للتونسيين برنامجا بديلا عن مشروع المنظومة الحالية التي يقودها خيار 25 جويلية

وعرضا يكون أكثر مقبولية واستهواء للشعب من أجل إقناعه بهذا الطريق البديل و انهاء الأزمة والمرور بالبلاد إلى وضعية أحسن وآفاق أفضل خاصة مع تفاقم الأزمة المالية التي لم تعد تنتظر كثيرا والبلاد على حافة إعلان إفلاسها غير المعلن، بعد تأكد صعوبة توفير موارد ذاتية لتعبئة خزينة الدولة ما يمكنها من الوفاء بكل التزاماتها تجاه مواطنيها ومزوديها و الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لإقراضنا قرضا ماليا رغم أنه لا يفي بالحاجة إلا أنه مهم في هذه المرحلة وتداعياته على استعادة ثقة المانحين الآخرين في مواصلة التعامل مع تونس ومساعدتها ماليا…

حالة خطيرة

أمام هذه الحالة الخطيرة من الإنسداد الذي وصلنا إليها نحتاج إلى قدر من التفكير الرصين والعقلاني للوصول إلى حل يُعلي مصلحة الوطن والشعب قبل كل شيء ونحتاج إلى قدر من الهدوء لنفكر في مخرج سريع من هذه الورطة والمأزق الذي وقعنا فيه…
اليوم هناك انطباع بدأت دائرته تتوسع يعتقد أنه علينا الاقرار بأنه لدينا مأزق في الخروج من المأزق الحاد الذي تعاني منه البلاد من خلال الحل الوطني والحل من الداخل بعد أن اتضح أن العرض الذي تقدمه قوى المعارضة غير جدي ويعيقه صعوبة التنفيذ على أرض الواقع حيث تقترح المعارضة ممثلة في جبهة الخلاص للخروج من ورطة 25 جويلية على حد قولها تكوين حكومة كفاءات وطنية تحظى بالدعم الكافي للاعتناء بالملف الاقتصادي والاجتماعي فقط، وتقديم حلول سريعة لمتاعب الناس المالية وعروضا لمعالجة إكراهات الحياة اليومية…

عرض متعثر…

هذا العرض يعرف تعثرا بسبب غياب الوضوح بخصوص البرنامج المفصل لهذه الحكومة المقترحة ومعرفة الجهة المؤهلة باختيارها ما يطرح مسألة الشرعية في علاقة بسؤال من أين تستمد هذه الحكومة مشروعيتها؟
هذه الصعوبات التي تعترض هذا الحل وهذا العرض الذي تقدمه قوى المعارضة يحيل بالضرورة على القناعة بأن الحل للخروج من هذا المأزق لن يكون وطنيا ولا محليا وأن طريق الإنقاذ والخلاص لن يكون من داخل الوطن مع تواصل استراتيجية إغراق الخصم بشتى الاتهامات المتبادلة وانتهاج نهج الإقصاء واحتكار الحقيقة والانفراد بالحل فواقع هذا حاله لن ينتج إلا التشتت والمزيد من التشتت ويجعل من الصعوبة بمكان الوصول الى حل جماعي تشاركي من داخل الدائرة الوطنية.

أشكال جديدة للحلول

هذا التصور في التعامل مع الأزمة يرى أنه عندما تكون الحالة على هذه الشاكلة من التعقيد والتشتت ومكبلة بهذا النوع من التفكير والتصور فإن المطلوب هو التخلي على كل أشكال الفهم القائمة، وكل التصورات التقليدية التي عادة ما نلجأ إليها في حالات الأزمات التقليدية والذهاب نحو  البحث عن أشكال فهم جديدة وطرائق تفكير مختلفة عن السائد…

الحلول القديمة لن تنفع

اليوم وصلنا إلى مرحلة وإلى وضع لم يعد يصلح معه الحلول القديمة ولا التفكير بأدوات التفكير المتعارف عليها التي لا تنتج إلا الحلول التقليدية المتعارف عليها…
اليوم بات من الواضح أن  المراهنة على الحوار بين الفرقاء بات عبثا وطريقا لم يعد ممكنا بل هو مستبعد وإن الدعوات الكثيرة للإنصات للآخر والاستماع المتبادل والجلوس على نفس الطاولة للحديث والخروج بحل جماعي لم يعد مطروحا بل هو غير مطروح أصلا.

اليوم لم يعد يتوفر في تونس إطار وطني جامع قادر على تنظيم الاختلاف بل أن فكرة ايجاد إطار وطني جامع لحلحلة الوضع هو من قبيل السائد الذي لم يعد مجديا ومن المقاربات القديمة التي لم يعد الاستنجاد بها  ممكنا وهي صورة من صور التفكير النمطي الذي وجب القطع معه وطريقة من طرق التفكير العليلة لفك الأزمات.

تدخل خارجي؟

اليوم في غياب الإطار الوطني الذي يوفر أرضية ممكنة للحوار والنقاش وتقريب وجهات النظر والتقليل من حدة الصراعات والخلافات يرى البعض أن الحل للخروج من حالة العطالة والانسداد و القادر على تحقيق التقدم والتطور غير موجود وطنيا بما يشير إلى أن الحل لن يكون إلا من خارج الوطن، وأن المخرج لن يكون داخليا وأن حل الأزمة من خلال الحاضنة المحلية غير متوفر لتفتح الأبواب على مصراعيها لقدوم الحل وتوفير الحاضنة الخارجية بما يعني أن الأزمة اليوم مرشحة بقوة للتدخل الخارجي وفرض الحل الأجنبي…
هذه قراءة ممكنة ومشروعة فهل تتحقق وتكون هي طريق الخلاص؟ وهل تكون هي بدورها أزمة أخرى إذا ما صدقت؟ 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى