صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: كيف الخروج من هذا المأزق وإنهاء صراع الحكم مع المعارضة؟

كتب: نوفل سلامة

اليوم كل الحديث منّصب على الانطباع العام الذي بدأ يتوسع من يوم إلى آخر والذي يعتبر أن مسار 25 جويلية 2021 يعرف مأزقا حادا وتعثرا في كل الاتجاهات… بل يذهب البعض وحتى من المؤيدين له إلى أن هذا المسار الذي بدأ بالقطع مع منظومة حكم الثورة ومؤسساته وإنهاء العمل بـ دستور 2014 قد وصل إلى مداه ولم يعد قادرا على الإضافة مع تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبيئية…

أزمة خانقة

حيث لا يخفى على أحد أن البلاد تعيش اليوم أزمة غير مسبوقة وخانقة مع تواصل الأسعار في الارتفاع يقابلها ندرة المواد الغذائية واحتجابها من الأسواق والمحلات، ما أثر على حياة المواطن وجعلها صعبة ومتعبة الأمر الذي انعكس سلبا على الحالة الذهنية والنفسية وصل إلى حد الاستقالة من الشأن العام وعدم الاهتمام بما يدور في البلاد والاكتفاء بتأمين لقمة العيش وتوفير المواد الغذائية المفقودة…

ارتفاع التضخم

هذه الأزمة المتواصلة تبرز جليا في ارتفاع نسبة التضخم واختلال التوازنات المالية وتواصل العجز في الميزان التجاري وعدم قدرة الدولة على خلاص مزوديها، وتسديد حاجياتها من المواد الأساسية الموردة وعدم قدرتها على توفير موارد إضافية لتعبئة الميزانية التي تعرف ثقبا ماليا لا ندري كيف سيقع سده ولا من أين ستأتي الدولة بالمال اللازم لتغطية هذا النقص المالي الخطير…

إضافة إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطن وعدم قدرة المرتبات والأجور على مجابهة الارتفاع الجنوني المتواصل في الأسعار بما يجعلها غير قادرة على الصمود إلى أكثر من أسبوعين في الشهر….
فكل هذه المؤشرات وغيرها تجعل من الوضع العام صعب في غياب الحلول الضرورية لتلافي كل هذه المشاكل وخاصة المشاكل الاجتماعية التي راهن كل من ساند مسار 25 جويلية على تحسنها خاصة في علاقة بتحقيق أهداف الثورة وشعاراتها الكبرى من توفير الشغل وتحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات وتحقيق نصيب من التنمية بالقدر المطلوب..

حالة انسداد

هذا الانسداد المتعدد الأبعاد والذي يرجعه كل متتبع للوضع العام إلى حالة التجاذب التي تعرفها البلاد بين منظومة الحكم القائمة ومنظومة المعارضة التي تطالب بالعدول عن مسار 25 جويلية والعودة إلى العمل بالديمقراطية وهو تجاذب لم يقدر أي من المتصارعين على انهائه أو حسمه لصالحه فلا منظومة الحكم استطاعت أن تُنهي الأزمة ولا منظومة المعارضة قدرت أن توقف مسار 25 جويلية ليبقى الوضع يراوح مكانه ولا يتغير في مقابل تزايد تأزم الوضع الاجتماعي والمالي من يوم إلى آخر.. وكلما تأخر حسم الصراع كلما ازداد الوضع تعفنا وصعوبة على الشعب.

سيناريوهات مطروحة

هناك اليوم خيارات وسيناريوهات مطروحة لحل الأزمة المتفاقمة والتي تُلقي بظلالها الثقيلة على حياة المواطن منها ما يطرحه الرئيس الأسبق محمد منصف المرزوقي الذي يعتبر أن الحل لإنهاء الأزمة السياسية يكون في التقاء جميع معارضي الرئيس قيس سعيد ـ طبعا من دون مشاركة الدستوري الحر ورئيسته عبير موسي ـ في جبهة ديمقراطية موحدة وواضحة تتفق على شخصية يتم اختيارها منذ الآن للرئاسية وتقديمها للشعب.. وعلى برنامج واضح وبتفاصيله في المجال الاقتصادي والاجتماعي والمالي والسياسي ..
هذا البرنامج يُقدم إلى الشعب الذي يُطلب منه الخروج إلى الشارع في مظاهرات سلمية للمطالبة بإرجاع الديمقراطية كما فعل الشعب السوداني وهذا يعني أن المطلوب لحسم الصراع السياسي هو تنظيم المقاومة المدنية السلمية.
هذا المخرج الذي يقترحه الرئيس الأسبق والذي يعوّل على خروج الناس في مظاهرات سلمية والمطالبة برحيل المنظومة الحالية يبدو أنه غير جدي على اعتبار أن الشعب اليوم مُرهق ومُتعب ولم يعد يثق في أحد ولا يرى المخرج في الانخراط في مشروع المعارضة الذي يحملها فشل عشرية كاملة بعد الثورة
من السيناريوهات الأخرى هو أن الذي بإمكانه ومقدوره أن يحسم الصراع هو من يمتلك القوة ومن يملك القوة الحقيقية اليوم هي القوى الصلبة التي عليها أن تبدي موقفا واضحا ومعلنا من الوضع الحالي وأن يحسم امرها بكل وضوح في اتجاه أحد المتصارعين..

هذا الرأي يرى أن الجهة الوحيدة التي بإمكانها أن تحسم الصراع وتنهي الأزمة بين من يحكم ومن يعارض هي هذه القوى الصلبة وطالما لم تبد هذه الأخيرة موقفا من واضحا فإن ما يقوم به الرئيس وما تقوم به المعارضة سيتواصل ولن ينتهي.
السيناريو الأكثر وضوحا هو الموقف الذي يعتبر أنه رغم تراجع التأييد لمسار 25 جويلية وتراجع منسوب الثقة في القائمين على الحكم اليوم وتراجع شعبية الرئيس خاصة بعد تسجيل نسبة إقبال ضعيفة خلال التصويت في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي لم تتجاوز حدود 11 بالمائة، وهي نسبة تعبر بكل وضوح عن موقف من الخيارات السياسية المطروحة وموقف من العروض المقدمة للشعب التي لا يراها تعكس هواجسه وهمومه وهي اليوم أبعد من ذلك ولا علاقة لها بالمشروع السياسي المقترح…

سرعة الإنجاز..

ورغم أن المعارضة تستفيد من تعفن الوضع وتوظفه لتصعيد الرفض للخيارات السياسية لمشروع 25 جويلية فإن الذي سوف يحسم المعركة هو سرعة الانجاز فتحقيق مكاسب للناس وتلبية طموحاتهم وما يرغبون فيه هو الوحيد القادر على إنهاء الأزمة التي تغرق فيها البلاد، وهذا يعني أن الصراع سوف يُحسم متى رأى الشعب انجازا قد تحقق له ومتى رأى حلولا واضحة، ومتى شاهد حلولا عملية لمشاكل البطالة والفقر وتضخم الأسعار وحلولا أخرى  لتحسين القدرة الشرائية ومحاصرة الغلاء وحلولا في الموضوع البيئي ومشكلة المصبات غير المتوفرة وحلولا في كل الملفات العالقة وما أكثرها والتي ترهق حياة المواطن…

حسم الصراع

فالحل وفق هذه الرأي غير مرتبط بانتخاب برلمان الشعب وإنما حسم الصراع السياسي لن يكون إلا بتحسن ظروف الشعب وتحسين عيشه اليومي .. إن الإنجازات السريعة والواضحة هي وحدها  الكفيلة حسب هذه الفرضية لحسم الصراع السياسي المتواصل.
هذه سيناريوهات ممكنة مطروحة من جملة فرضيات أخرى لإنهاء حالة العطالة ووضعية الانسداد الأيام وحدها كفيلة بترجيح أي منها لتكون الحل وتكون قادرة على حسم المعركة بين من يحكم ومن يعارض في ظل غياب إمكانية الحوار…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى